الصمود| منذ استلامه منصب ولي العهد في منتصف العام 2017 لم يتطور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مستوى إدارة أمور البلاد وتنفيذ ما كان يحلم به او بالأحرى يروج له في الأعوام الماضية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري، وجل انجازاته تمحورت حول بعض الفقاعات الاعلامية التي روجت لانفتاح السعودية عبر إقامة حفلة غنائية هنا وهناك او مسابقة رياضية هنا وهناك، إلا ان هذه الأمور لا تعد جوهر قضية الانفتاح التي يجب أن تكون مبنية على أسس ثابتة لا على رمال متحركة تعصف بها الرياح شرقا وغربا.
العام 2019 ومع اقترابنا من نهايته لم يكن أفضل حالا من الأعوام السابقة على السعوديين، في ظل الاستمرار على نفس النهج السابق الذي استهدف من خلاله ابن سلمان العلماء ورجال الدين والدعاة والنشطاء والمفكرين وأصحاب الرأي، ولا يزال ماضيا في هذا النهج الذي أثقل كاهل السعودية وكلفها الكثير في حساباتها الخارجية التي سعت السعودية لتبييضها لكن دون جدوى خاصة بعد أن علت الاصوات المطالبة بالمحاسبة الجدية لمرتكبي جريمة خاشقجي، اذ لم يقبل الرأي العام العالمي ما خرج علينا به القضاء السعودي حول اصدار حكم اعدام بحق 5 اشخاص وسجن آخرين، لأن المنفذين الحقيقيين لهذه الجريمة والمتورطين فيها لم يقترب منهم القضاء وها هم أحرار يلوذون بالأمان تحت جناحي محمد بن سلمان بينما أصحاب الفكر والنشطاء يوضعون داخل السجون المنفردة بما يخالف جميع الاعراف الدولية والحقوقية.
ولا يزال يعمل نظام آل سعود على تشويه المعارضين والدعاة من معتقلي الرأي كنهج يكرسه لتبرير سياساته القمعية وسحقه أي مطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد في السعودية.
ومنذ صعود ابن سلمان إلى رأس السلطة سار قطار القمع بأسرع مما تصور كثيرون؛ حيث بدأت السلطات باعتقالات جماعية، بعد شهرين فقط من تعيين “بن سلمان” في منصب ولي العهد، في سبتمبر/أيلول 2017، شملت مفكرين ودعاة وأكاديميين وحقوقيين، لتعقبها بموجة غير مسبوقة من الاحتجازات عُرفت بـ”اعتقالات الريتز”، والتي طالت هذه المرة شخصيات محسوبة على دائرة المال والسياسية في المملكة، وكان بعضهم مقربا من حكام السعودية و”بن سلمان” نفسه.
استمر قطار القمع سائرا في 2018، ليصل، هذه المرة، إلى محطات كان معظمها ليبراليا ونسويا؛ حيث شملت الاعتقالات ناشطين وحقوقيين من الرجال والنساء، وتزامنت –للمفارقة– مع بداية تطبيق السعودية لقرار السماح للنساء بقيادة السيارات، في يونيو/حزيران 2018، لتجلس المرأة خلف مقود السيارة، بينما تراقبها من طالبت لها بذلك الحق من وراء القضبان.
في 2019، يمم قطار “ابن سلمان” القمعي وجهه شطر أرباب القلم بصورة رئيسة.. لتستقبل السجون عددا من الصحفيين والكتاب.
إذ شهد هذا العام حملتين رئيستين للقمع.. الأولى في أبريل/نيسان، والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني، وكان القاسم المشترك بينهما هو اعتقال النساء.
وفي هذا الاطار نشر المغرد السعودي يحيى العسيري على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” فيديو يدعو فيه السعوديين بعدم نسيان قضية معتقلي الرأي الذين ضحوا بحريتهم من اجل الوطن.
وقال يحيى العسيري ضمن الفيديو المنشور ان معتقلي الراي هم الاكثر اخلاصا لوطنهم وغيرة وحبا لوطنهم، وهم الذين عرضوا انفسهم للخطر. وذكر العسيري بان ما يدعو اليه هؤلاء المعتقلون هي قضايا تهم المواطنين ولم تكن قضايا شخصية وفردية فهم الذين يحاولون ان يواجهوا الفساد ويكشفوا خيوطه.
ودعا العسيري السعوديين بعدم نسيان قضية المعتقلين. وقال العسيري ان السعودية كوطن هو يعاني في كل تفاصيل واركان وجوده.
على المستوى الداخلي
صحيح أن ابن سلمان نفذ خططاً واعدة على مستوى الانفتاح الاجتماعي ومضى في نفس الاتجاه على المستوى الاقتصادي، إلا أن خطواته كانت ناقصة وغير مكتملة في هذه المجالات لأن المجتمع السعودي لم يكن مجهزاً لمثل هذا الانتقال السريع والتغيير المفاجئ لثقافة المملكة الذي يبتعد كثيرا عن أعرافها وعاداتها وتقاليدها والأصعب من هذا أن يدرك الشعب بأن هذا الانفتاح “وهمي” وغير حقيقي ويمثل “فقاعة” قد تختفي في أي لحظة لأنه لم يبنَ على أسس صحيحة وسليمة، فعلى سبيل المثال كيف يمكن أن تشهد السعودية انفتاحا من هذا النوع وفي نفس الوقت تفرض الكثير من القيود على الفتيان والفتيات وتعتقل أصحاب الرأي والنشطاء الذين طالبوا ويطالبون بالحرية والعدالة الاجتماعية ولاشيء غير ذلك.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اعتقل رجال دين ودعاة وكل من يخالف رأيه أو يشعر انه لا يتماشى مع نهجه الجديد للبلاد، ومن هؤلاء على سبيل المثال شيوخ مثل سلمان العودة وعوض القرني، وناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة مثل لجين الهذلول، وزعماء عشائر وقبائل، وهؤلاء جميعا وجدوا أنفسهم يزج بهم خلف القضبان لفترات طويلة من الزمن. وفي غياب أي ضغط فعال من قبل المجتمع السعودي أو المجتمع الدولي، يواجه النشطاء المحبوسون خطر أن يطويهم النسيان إلا من بعض الهاشتاغات في تويتر مما يغرد به أفراد مجتمع سعودي بات يتشكل في المنافي.
على المستوى الاقتصادي وان كانت جميع الخطط المطروحة في هذا الملف باءت بالفشل ولم تصل السعودية إلى بر الأمان في هذا المجال، إلا أن السؤال الأبرز كيف يمكن أن يستقر الاقتصاد في ضوء دخول السعودية بازمات خارجية وحرب مباشرة مع اليمن، من هو المستثمر الذي سيغامر بأمواله في السعودية في ظل غياب اي نوع من الشفافية او سيادة للقانون.
على المستوى الخارجي
لم تبق دولة في الاقليم لم يوجه لها ابن سلمان سهامه في محاولة منه لفرض سلطته وهيمنته في المنطقة والظهور بمظهر القائد الاقليمي الأكبر، إلا أن محاولات ابن سلمان كانت أضعف من التغيرات التي شهدها الاقليم والتي افرزت قوى اقليمية كبرى لا يمكن محاربتها لا بشكل مباشر ولا حتى بالنيابة، بما في ذلك ايران وتركيا، وتمثل خطأ ولي العهد الكبير في خسارة جميع أوراقه الرابحة في معركته مع تركيا من خلال ارتكاب جريمة خارج القانون بحق مواطن سعودي على الاراضي التركي وتقطيعه وهذا ما كلف السعودية الكثير ودمر كل ما كان يحاول ابن سلمان انجازه في الاقتصاد والسياسة والاجتماع.
المعادلة الثانية التي كان ينتظرها ابن سلمان هي ردع ايران وايقاف نفوذها في المنطقة إلا أن التحولات الاقليمية بما في ذلك المظاهرات التي خرجت في كل من لبنان والعراق لم تحقق ما كان يصبو له ابن سلمان في هذا الاتجاه.
أقرب الدول إلى السعودية بما فيها قطر لم تسلم من سهام ابن سلمان ليتفجر نتيجة لهذه السهام ازمة خليجية لم تؤتِ ثمارها بالنسبة لولي العهد السعودي، وها هو اليوم يبحث عن طرق لحل هذه الأزمة وانهائها كما هو الحال بالنسبة لحرب اليمن التي استنزفت الاقتصاد السعودي، وتدرك الرياض أنها تورطت في اليمن، ولذلك، يريد قادتها الخروج من فيتنام الخليج تحت اي ظرف.المفاوضات مستمرة حالياً بين السعوديين والحوثيين في مسقط عاصمة سلطنة عُمان، برعاية أمريكية، وثمة تقديرات سعودية أن العام 2020 هو عام الخروج السعودي من مستنقع اليمن.
سوريا مذلك الأمر هناك محاولات حثيثة للتقرب من الحكومة السورية وفتح صفحة جديدة بوادرها ظهرت بشكل جلي من خلال التقارير التي تحدثت عن اعمال صيانة داخل السفارة السعودية في سوريا والتي تمهد الطريق لعودة العلاقات بشكل طبيعي بين البلدين بعد ان ادركت القيادة السورية ان دعم الجماعات المعارضة في سوريا بالمال والسلاح كان خطأ كبيراً كلف السياسة الخارجية السعودية الكثير.